عندما بدأ الخوف من تفشي فيروس كورونا في ليبيا، اتخذت السلطات مجموعة من القرارات للتصدي لهذا التهديد في جميع مناطق ومدن البلاد، وكان من أهمها القيام بحملات تعقيم للأماكن العامة وتخصيص غرف عزل لمعالجة المصابين بالفيروس.
تعد بلدية غات، والتي تقع في جنوب غربي البلاد وتبعد عن العاصمة طرابلس 1360 كم، عرضة لهذا التهديد بشكل خاص. حيث تأثرت المدينة بالفيضانات خلال صيف 2019 مما أعاق تقديم الخدمات الأساسية للسكان وخلق بيئة خصبة لتفشي الأمراض.
الذعر والخوف في نفوس سكان مدينة غات
يربط المدينة حدود مع دولتي الجزائر والنيجر، ولذلك فهي تشهد حركة كثيفة للهجرة والسفر من خلال المعابر الحدودية، وهذا سبب إضافي يثير القلق لدى العديد من السكان مع انتشار كوفيد-19
قال السيد التركي مدير ادارة النظافة والشؤون الفنية في الشركة العامة للنظافة “عندما بدأ تهديد فيروس كورونا في البلاد، شعر الناس في غات بالخوف والارتباك لأن هذا شيء جديد بالنسبة لهم. إنهم يدركون تماما بأن نسبة إصابة المدينة بالفيروس كبيرة جدا لأنها تربط بين الدول المجاورة ويوجد بيها حركة دخول وخروج كثيفة”.
وقالت الأستاذة أمال الناني المنسق الفني والاجتماعي بالمدينة ورئيسة جمعية “ليبية وابني غريب” للعمل الأهلي والخيري: “العديد من السكان والأهالي كانوا في خوف شديد وذلك لإعتقادهم أن مناطق الجنوب مهمشة من الجهات المسؤولة في ليبيا وليس لدی الجهات المحلية المسؤولة إمكانيات للتعامل مع مثل هذه المواقف.
على الرغم من نقص الخبرة والموارد المادية اللازمة، دعت السلطات المحلية جميع منظمات المجتمع إلى بذل جهود مشتركة للتصدي لوباء فيروس كورونا، كما وضعوا أولويات تتضمن حملات تعقيم للشوارع والأماكن العامة وتخصيص غرف عزل عند نقاط الدخول الحدودية وبالمدينة.
السلطات المحلية تطالب ببذل جهود مشتركة
على الرغم من نقص الخبرة والموارد المادية اللازمة، دعت السلطات المحلية جميع منظمات المجتمع إلى بذل جهود مشتركة للتصدي لوباء فيروس كورونا، كما وضعوا أولويات تتضمن حملات تعقيم للشوارع والأماكن العامة وتخصيص غرف عزل عند نقاط الدخول الحدودية وبالمدينة.
قال السيد أبو الخميس موسی مختار محلة ايسين “منطقة ايسين التابعة لبلدية غات تبعد 2 كيلو متر عن دولة الجزائر، ولهذا تعتبر المنطقة حساسة وتحتاج الي اهتمام خاص. وأضاف: ” قامت شركة المياه والصرف الصحي بتجهيز المعبر الحدودي وتخصيص مكان للحجر الصحي. وبالرغم من أن العمل كان قد نفذ بالمجهود الذاتي إلا أنه كان جيد نوعا ما.”
أما بالنسبة لحملات التعقيم، فقد كانت المسألة أكثر تعقيداً بسبب نقص المعدات اللازمة. حيث قال أبو خميس:
“في البداية كنا خائفين ولم يكن لدينا أي فكرة عما يجب علينا فعله”.
تلبية متطلبات المدينة، والمساهمة في الاستجابة لكوفيد-19
قبل ظهور الوباء في ليبيا، كان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد استجاب بالفعل للاحتياجات الماسة للمدينة، حيث قام بترميم بعض البنى التحتية الأساسية والمرافق من بينها مركز البركات الصحي. ويعد هذا المرفق المؤسسة الصحية الرئيسية في المنطقة، حيث تم إعادة تأهيله بالكامل وتسليمه في فبراير 2020 من خلال مشروع “تعزيز القدرات المحلية على الصمود والتعافي” الممول من الاتحاد الأوروبي. الآن، يتمكن 25000 شخص بالمدينة من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الأطفال والنساء والمهاجرين والنازحين، الذين لن يتمكنوا من الوصول إلي هذه الخدمات بطريقة أخرى. اليوم، يعد هذا المركز الطبي هو المرفق الصحي الرئيسي الذي تجري به تحاليل كوفيد-19 كما تتوفر به المعدات اللازمة بغرفة العناية المركزة للحالات المحتمل إصابتها بالفيروس.
في منتصف مارس 2020، قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتزويد البلدية بأربع رشاشات متنقلة للمبيدات من خلال صندوق تحقيق الاستقرار في ليبيا، حيث ساهمت المعدات في تحسين النظافة العامة بالمدينة من خلال عمليات الرش لمكافحة القوارض والحشرات وانتشار البعوض. استفادت السلطات المحلية من هذه المعدات الجديدة بإطلاق حملة تعقيم كبيرة في 22 مارس 2020 والتي استمرت 35 يوم.
قال السيد علي مرتضي رئيس قسم فريق الرش في الشركة العامة لخدمات النظافة ومنسق الحملة “فريق الرش متخصص وخبير في مكافحة الآفات والقوارض، أما بالنسبة لمكافحة الأوبئة مثل فيروس كورونا فالتعامل معه كان تخصص جديد علينا. وعلى الرغم من نقص الخبرة في مكافحة مثل هذه الأوبئة، قمنا بشكل سريع بالحصول علی بعض المعلومات وجهزنا خطة دورية وتم تقسيم الفريق وبدأنا في تنفيذ الحملة واتوقع أننا قد قمنا بإنجاز عمل فاق توقعاتنا”.
قام الفريق بتعقيم المدينة والمناطق المحيطة بها بشكل منتظم، حيث ركزت الحملة على الأماكن التي يرتادها السكان مثل المراكز الصحية والمخابز.
وأوضحت أمال الناني قائلة: “لقد بذلنا قصارى جهدنا لتنفيذ هذه الحملة على الرغم من نقص الموارد. حيث كان التنسيق مع الوكالات المحلية الأخرى لتوفير الكلور هو التحدي الرئيسي الذي واجهناه وحاولنا التغلب عليه”. وأضافت: “ولكن، وبدعم من الجهات الفاعلة الدولية والمحلية، قمنا بتنفيذ الحملة وعادت ثقة السكان بالسلطات المحلية”.
قال السيد ابراهيم محمد مدير فرع شركة المياه والصرف الصحي- غات “شاركنا في الحملة عندما طلبت الجهات المحلية منا المساعدة في تجهيز وتنظيف المعبر الحدودي بين ليبيا والجزائر، واستعملنا في ذلك الجرارات التي تم توفيرها من صندوق تحقيق الاستقرار في ليبيا، والتي سوف تكون دائما مستعدة لتقديم العون والمساعدة لخدمة المواطنين في غات.”.
قال السيد علي: “إن سيارات الرش ممتازة جدا، فهي مناسبة للبيئة المناخية في المدينة. فقد استطعنا أن نصل إلي بعض الأحياء التي تقع في وسط الصحراء، أيضا أجهزة الرش ذات كفاءة عالية. وسنتعاون مع قطاع الزراعة والبيئة في المدينة للمساعدة والدعم في رش بعض مضادات الآفات البيئية والزراعية”.
قال السيد التركي ” لولا وجود هذه الآليات والتجهيزات لكان تنفيذ حملة التعقيم والاستجابة لتهديد فيروس كورونا صعب جدا، حيث تشمل خطة الاستجابة القيام بتعقيم المساجد والمدارس عند الإعلان عن فتحها في المستقبل، ونحن الآن مستعدون في أي وقت لتنفيذ أي عمل عند وجود تهديد يتطلب تواجدنا”.
واختتم القول: “أتقدم بالشكر لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا، فقد وصلت إلينا هذه المعدات في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة لها وساهمت كثيرا في تنفيذ مهامنا بالمدينة”
من خلال صندوق تحقيق الاستقرار في ليبيا، قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتسليم أربع جرارات، وأربع مركبات لرش المبيدات، وأربعة مولدات كهربائية تعمل بالديزل لتشغيل آلات اللحام، و 21 مولدات ديزل إلى بلدية غات.
ومن خلال مشروع “تعزيز القدرات المحلية من أجل الصمود والتعافي” الممول من الاتحاد الأوروبي، قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بإعادة تأهيل مركز البركات الصحي، وسيوفر قريبا جهاز التر ساوند بالمركز. وبسبب انخفاض قدرة شركة المياه والصرف الصحي على ضمان ادارة مياه الصرف الصحي بسبب اجتياح الفيضانات للمدينة العام الماضي 2019، قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من خلال المشروع بتزويد المدينة بشاحنتين لشفط مياه الصرف الصحي والتي ساعدت شركة المياه والصرف الصحي على التخفيف من أضرار شبكات الصرف الصحي وستساهم في تعزيز معايير النظافة العامة بالبلدية.
إن المبادرات التي قام بها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في غات هي جزء من مشروع “صندوق تحقيق الاستقرار في ليبيا” ومشروع “تعزيز القدرات المحلية على الصمود والتعافي”.
ويهدف صندوق تحقيق الاستقرار في ليبيا، بقيادة المؤسسات الوطنية والمحلية وبتنفيذ من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وتمويل من 13 شريك دولي والحكومة الليبية، إلى تعزيز سلطات الدولة الشرعية والمعترف بها دوليا وتعزيز الوحدة الوطنية، وذلك عن طريق خلق فرص للمصالحة السلمية على المستوى المحلي من خلال مراقبة النزاعات المجتمعية والحد منها، والتخطيط البلدي الشامل، والتحسينات العملية في الخدمات الأساسية في كل مدينة يعمل بها.
يعد مشروع “تعزيز القدرات المحلية على الصمود والتعافي” التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي جزءا من برنامج “التعافي والاستقرار والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في ليبيا” الذي يموله الاتحاد الأوروبي، من خلال الصندوق الائتماني الأوروبي للطوارئ من أجل أفريقيا – نافذة شمال إفريقيا، ويتم تنفيذه بالشراكة مع وزارة الحكم المحلي والبلديات واليونيسيف والوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي. كما يهدف البرنامج إلى تحسين الظروف المعيشية وبناء القدرة على التعافي بين السكان الأكثر احتياجا، بما في ذلك المهاجرين واللاجئين والنازحين والعائدين والمجتمعات المضيفة.